نحن -كمسلمين- باستطاعتنا الانفتاح على كل العلوم والفنون الموجودة عند الشعوب والأمم المختلفة، والاستفادة من المجالات المفيدة فيها، أما بالنسبة لاستيراد الفلسفة اليونانية، والعرفان الهندي والغنوصي، وملء الأجواء الإسلامية والمساجد والمدارس بهما، فلم يكن انفتاحاً من قِبَل المسلمين عليهما، بل كان -إذا صح التعبير- نوعاً من الغزو الثقافي السياسي الذي دبّره الخلفاء وفئة غير مؤمنة بالإسلام، وذلك بهدف مواجهة العلوم والمعارف السامية للقرآن والعترة.
فواقع الأمة يشهد بأنه بعد وفاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وإقصاء الإمام علي (عليه السلام) عن (المرجعية السياسية) للأمة، واجه المناوئون معضلة كبرى عندما لاحظوا رجوع الأمة في مجال العلوم والمعارف إلى الإمام علي (عليه السلام)، وتألّقه في مجال «المرجعية العلمية» للأمة، ومن دون احتواء هذا الخطر كانت (المرجعية السياسية) ستعود ثانية إلى آل البيت خلال فترة قصيرة. من هنا بادر معاوية، في خطوة ثقافية لإقصاء الإمام علي (عليه السلام) عن (المرجعية العلمية) إلى إقحام علم اللاهوت المسيحي وعلمائه في الثقافة الإسلامية، وتلميع دمشق كمركز ثقافي، بإزاء مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
إنّ من الأسباب الرئيسية لإخفاق المسلمين علميًّا هو أنّه: رغم أنّ القرآن الكريم هو كتاب علمي تجريبي، فهو يحثّ المسلمين على السير في الأرض، والنظر في عاقبة الأمور: (سيروا)، (انظروا)، إلَّا أن أذهان المسلمين التي امتزجت بالموضوعات الفلسفية والجدلية كانت قد فقدت كفاءتها، فانشغلت بالمفاهيم والمصطلحات الذهنية البحتة عوض التوجه نحو معرفة الحقائق الخارجية والعلوم التجريبية. وما أكثر الكفاءات العظيمة التي ضاعت في هذا المجال، حتى أنك تجد من أنكر رحلة الإنسان إلى الفضاء واعتبر ذلك خبراً مختلَقاً، لأنه يرى (استحالة الخرق والالتيام). بينما لو أمعنّا النظر فيما وصلنا من الأئمة الأطهار (عليه السلام) في مجال علم الفلك، لوجدناه مختلفاً بشكل كبير عن هيئة بطليموس، بل ومتقدماً إلى حدٍّ ما حتى على علم الفلك المعاصر.
12- أهمية العقل في مدرسة التفكيك:
تحدثنا عن أهمية العقل والتعقّل في كتاب (مدرسة التفكيك)[26] و كتاب (الاجتهاد والتقليد في الفلسفة) وذكرنا بعض النقاط لمعرفة التعقّل السليم وتمييزه عن التخيّل، كما أفردنا في كتاب (الحياة) فصولاً عديدة لمناقشة هذا الموضوع، وبتوفيق الله تعالى سوف نثبت في كتاب (مكانة العقل)[27] أنّ التعقّل الإلهي الكامل لا يتحقق إلَّا في مدرسة التفكيك وبنهج التفكيك؛ أما الأنواع الأخرى من التعقّل فهي تعقّل فلسفي - قرآني، أو تعقّل كلامي - قرآني، أو صوفي - قرآني، أو ما شابه ذلك. أما التعقل القرآني - القرآني، الذي يشكّل أصل التعقّل، والتعقّل الأصلي، فلا يتيسَّر إلَّا بمنهج التفكيك، وسوف نتحدّث في الكتاب الأخير عن (دفائن العقول) أيضاً مع بعض التوضيحات.
إرسال تعليق تعليقات المجلة تعليقات فيسبوك